1356932
1356932
روضة الصائم

الابتداع في الدين ضلالة والاقتداء بالسنة حق

07 يونيو 2018
07 يونيو 2018

نقائص إنسانية عالجها الإسلام -

القاهرة: محمد إسماعيل -

منذ أن خلق المولى- عز وجل- الأرض ومن عليها ظهرت معه مجموعة من النقائص الإنسانية التي مثلت بمرور الوقت مجموعة من الآفات القلبية والسلوكية التي تهدد المجتمعات المختلفة، ورغم أن كل الأديان السماوية وحتى الحضارات الإنسانية حاولت التعامل مع هذه النقائص وتهذيبها إلا أن معظمها ظل به تصور واضح هو في عدم طرحها للبدائل أو سبل العلاج إلا الإسلام، فقد جاء فياضا بالخير صداعا بالحق طافحا بالخلق الكريم، وقد أتى مناسبا لكل الأمم، مجتازا حدود الزمان والمكان، ليكون حلا لكل الأمراض القلبية والسلوكية.

فهو قبل أن يحرم أو ينهي عن شيء وضع البديل له وبين للمسلمين كيفية علاجه؟! وإن الناظر في هذا الدين العظيم ليعرف حق المعرفة أنه وجد للبشرية جمعاء، ولا حياة كريمة لها بدونه...

وعلى مدى أيام شهر رمضان المبارك نرصد النقائص الإنسانية وطريقة علاجها في ضوء القرآن والسنة. يؤكد الدكتور سعيد عبد العظيم في كتاب «خلق المسلم»، أن من أشر وأقبح النقائص على العبد الابتداع في دين الله، والشخص الذي يتصف بنقيصة الابتداع في دين الله لا ترجى له توبة، والمبتدع يستحسن ما لم يستحسنه الشرع، فهو ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا، والمبتدع وكأنه يثبت لعقله صفة الكمال- مع أنه متصف بصفة النقص والخذلان والضلال-، فالبدعة التي ابتدعها المبتدع تذكر في مقابل السنة، وهي أحب إلي إبليس من المعصية، ولو أبصر المتصف بنقيصة الابتداع لما خالف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام، رضي الله عنهم جميعا.

وكان الإمام الشافعي - رحمة الله عليه- يقول: «من استحسن فقد شرع»، ولو أعطي المبتدع هذا الحق لغيره لوجدنا بعدد الخلق أديانا وشرائع، وكل واحد يستحسن ما يستقبحه الآخر.

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- يقول: «نعم، من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة خلافا لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع». وصفة الابتداع في الدين إذا توافرت في الشخص اتسم بالنقص وبعد عن صحيح الدين، فالابتداع في الدين من صنع الله سبحانه وتعالي وليس من صنيع البشر فالله سبحانه وتعالي بديع السموات والأرض، أي مبدعها، والبدعة: الحدث في الدين بعد الإكمال، وقيل: هي كل محدثة، ومعني قوله تعالي: (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ)، (سورة الأحقاف الآية: 9)، أي: ما كنت أول من أرسل، وقد كان قبلي رسل، جاءوا ليعلموا قومهم صحيح الدين ويخلصوهم من صفات النقص وضرورة تجنب الابتداع في الدين، مصداقا لقول الحق تبارك وتعالي: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)، (سورة الحديد الآية: 27)، وذلك مما ابتدعه وأحدثه النصارى في الدين من تلقاء أنفسهم من رفض النساء والمطعم والمشرب، واتخاذ الصوامع.

وقال الشاطبي- رحمه الله-: «البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالي، وقيل: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها، ما يقصد بالطريقة الشرعية». فالبدعة هي الفعلة المخالفة للسنة والأشخاص المتصفون بنقيصة الابتداع، يسمون بأهل البدع والأهواء، واعتقادهم المخالف للشرع يكون بنوع شبهة، لا بمعاندة.

ويؤكد ابن القيم الجوزية- رحمه الله- في كتاب « مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»: أنه وردت الكثير من النصوص في السنة والقرآن تذم المبتدعين والبدع، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إن الله احتجز التوبة عن كل بدعة»، (رواه الترمذي والطبراني)، وعن جابر رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا خطب أحمرت عيناه، وعلا صوته،...» الحديث، وفيه يقول: «أما بعد...

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلي الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة...» الحديث (رواه مسلم). وصح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: «فإن لكل عبد شرة– نشاط ورغبة- ولكل شرة فترة– ضعف وانكسار- فإما إلى سنة، وإما إلي بدعة، فمن كانت فترته إلي سنة فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك». وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، (رواه البخاري ومسلم). والشخص المتصف بنقيصة الابتداع يتبع سبيل غير سبيل الله والرسول تصديقا لقول المصطفي صلي الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم خطا، ثم قال: «هذا سبيل الله» ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: «هذه سبل متفرقة، علي كل سبيل منها شيطان يدعو إليه»، ثم قرأ: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، (سورة الأنعام الآية: 153).(رواه أحمد والحاكم). وقال عمر رضي الله عنه: «إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا». وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «إن أبغض الأمور إلي الله تعالي البدع»، وقال: «عليكم بالاستقامة والأثر، وإياكم والبدع، وقال في تفسير قوله تعالي: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، (سورة آل عمران الآيتين: 106، 107)، (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ): «فأهل السنة والجماعة وأهل العلم، (فأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ): فأهل البدع والضلالة»، وقال لعثمان الأزدي: «عليك بتقوي الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع». ولذا علي العبد أن يسارع إلي التخلص من نقيصة الابتداع واتباع البدع وأن يقتدي بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم، حتى يكون من المتبعين لا من المبتدعين.